رحلة الأثام بقلم منال سالم
في بيتها تلبية لدعوة أمها حينما انقضى عقد القران سحبها بدري من يدها بخشونة ونشف كفيه ليعيدها إليها دون أن ينبس بكلمة شكر حتى ثم تجاوزها في عبوس باعث على الاسترابة ليعود إلى الصالة لحقت به فردوس والحيرة تسبقها ازدردت ريقها وجلست إلى جواره واضعة أمامه كوب الشاي الساخن اعتدلت في جلستها متسائلة بتوجس قلق وهي تناظره من موضعها
عجبك المرقعة اللي إنتي كنتي فيها دي
بهتت تعابيرها خوفا من غضبته الظاهرة وراحت تعتصر ذهنها لتتذكر كيف ومتى أحرجته وتسببت في مضايقته حينما عجزت سألته بصوت شبه مرتعش
مرقعة إيه لا سمح الله
أجابها بنفس الصوت اللائم وشبه المنفعل رغم خفوته
الضحك والكركرة اللي كانوا في الشارع قصاد الناس خلاص فشتك عايمة على الآخر!
دي خالتي كانت قالتلي إن آ
لم يمهلها الفرصة للتوضيح وقاطعها بصوت حاسم وملامح صارمة
بصي يا بنت الناس لا خالتي قالت ولا خالتك عادت أنا مش جاي أتجوز عشان أجيب لنفسي ۏجع الدماغ
على نفس النهج القاسې
أنا عاوز اللي تريحني مش ناقص هم وقرف
في التو أبدت ندمها قائلة دون تفكير
حقك عليا
سكت ولم يقل شيئا فاستأنفت بحذر وهي تقاوم زحف الدموع إلى مقلتيها
بس إنت برضوه زعلتني لما سبتني وروحت مع أمك وكأني مش مراتك!!
هتف في صوت محموم
برقت عيناها ارتياعا وراح الفزع يتولاها من كل جانب كأن هناك هجوما ضاريا على أعصابها دفعة واحدة عندما صاح في عتاب حانق
ما إنتي شوفتي بنفسك إنها مش قادرة تقف عاوزاني أعمل إيه وهي ست كبيرة أقف اتفرج عليها لحد ما تقع من طولها
انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة
لأ بس آ
مرة ثانية قاطعها رافعا يده أمام وجهها ليهددها
تحول نظرها عنه وراحت تلوم نفسها بشدة لأنها انساقت وراء خالتها ولم تضع في الحسبان أنها بذلك تحزن زوجها ودت لو عاد بها الزمن للوراء واكتفت بالسير صامتة لربما آنئذ نالت رضائه وكلمة حنونة منه!
كانت تشعر بنوع من الغنج والدلال وهي تنتقي بين ماركات الأحذية ما يناسب مقاس قدميها بدت وكأنها في عالم من سحر الموضة المشوق لحظات لا تعوض عاشت كل ثانية فيها بنشوة عارمة دارت حول نفسها وهي لا تصدق حقا أنها ترتاد أحد أهم متاجر بيع الأحذية بعد حين من التجارب وجدت واحدة ملائمة لها رغم تحيرها في حسم اختياراتها فكل ما وقعت عليه عينيها كان رائعا للغاية تجولت في تبختر أمام ناظري مهاب وهو جالس على الأريكة ثم رفعت قدمها قليلا عن الأرضية لتبرز شكل الحذاء في قدمها وهي تهتف بابتسامة لهفى
قال وهو يبادلها الابتسام الهادئ
المهم إنها عجبتك
بعدئذ أشار للعاملة في المتجر لتأتي له بالفاتورة فاستجابت له في التو انتظرت تهاني ذهابها وتقدمت ناحيته ثم جلست على حافة الأريكة الوثيرة وراحت تتحسس ملمس الجلد الثمين بيدها لترفع نظرها إليه مضيفة بقليل من الحرج
بصراحة دي أول مرة ألبس حاجة زي كده في حياتي
للحظة تحسرت على حياتها البائسة التي جعلتها محرومة تقريبا من رفاهية الدنيا ومتعها المغرية قامت واقفة وتابعت وهي تتطلع إليه بتعبير واجم لتقنعه بأنها غير راضية عن هذا الموقف المخجل بتاتا
بس أكيد غالية وصعب إني آ
قاطعها قبل أن تتم جملتها قائلا وقد فهم ما ترمي إليه
ماتغلاش عليكي
حفظا لماء الوجه حاولت أن تقول بعزة نفس
أنا هرد لحضرتك تمنها
نهض قائما ودنا منها مرددا في عتاب رقيق
عيب الكلام ده يا دكتورة دي هدية بسيطة مني ليكي وهي مش من مقامك أصلا
أصرت على رأيها هاتفة
بس كده كتير وآ
وإيه يعني دي مش هتكون آخر مرة أهاديكي بحاجة
لاحظت تحول نظراته عنها وأتبعها ذلك قوله المريب
لحظة واحدة!
تحرك مبتعدا عنها نحو موضع ما خلفها فالتفتت تتابعه بتحير وجدته يسحب واحدا من الإيشاربات المزركشة من على حامل معدني بعد تدقيق سريع استدار عائدا إليها ثم فرده في الهواء بين يديه ليديره حول عنقها ثم طوقها به فاقشعر بدنها من الملمس الناعم للقماش على جلدها أحست كذلك بأصابعه وهي تداعبها خلسة شدها منه ليجذبها ناحيته ويقربها إليه انساقت كالمغيبة تجاهه حتى اضطرت أن تريح مرفقيها على صدره مستشعرة نبض قلبه أسفل يديها
ده كمان هيبقى شكله تحفة عليكي
إنتي جميلة أوي
كاد ينجح في إغوائها لتقبله لكنها صدت محاولاته في اللحظة الأخيرة بإبعاد وجهها ودفعه برفق من صدره وهي تخاطبه في لهجة اتخذت شكلا رسميا رغم خفوتها
د مهاب! من فضلك!
هو المطعم
قريب من هنا
دس يده في جيب بنطاله وأجاب
أيوه
أبقت على ابتسامتها الرقيقة وهي تسأله
طب مش هنروح ولا إيه
أشار لها بيده الأخرى الطليقة لتخرج قائلا
اتفضلي
هزت رأسها مرددة بإيجاز دون أن تخبت بسمتها
شكرا
ما زالت لمعة الانبهار تحتل نظراتها كلما زارت مكانا جديدا أو استمتعت بشيء لم تجربه سابقا تذوقت تهاني أشهى أنواع الطعام واستطابت ما تناولته من وجبة مميزة بهذا المطعم الراقي لم تشعر بالوقت يمضي وهي بصحبة مضيفها بل إنها استأنست كثيرا بوجوده وشعرت بتناغم غير طبيعي معه ورغم تحفظها الواضح على معاقرته للشراب إلا أنها لم تظهر اعتراضا متحيزا ضده على الأقل ريثما تتوطد علاقتهما بشكل أقوى أو أن تتخذ طابعا رسميا وإلا لضاعت جهودها سدى
أمام ردهة باب غرفتها بالفندق وقفت تصافحه وهي تبدي عرفانها بما قدمه لها طوال اليوم
ميرسي على اليوم الظريف ده أنا مكونتش متخيلة إني هستمتع كده
بلطافة موحية ما زال باقيا عليها قال وهو يحتضن كفها براحتيه
ده بس لأنك موجودة معايا
حاولت استعادة يدها وسحبها من بين قبضتيه لكنه رفض تركها وتابع بتنهيدة ثقيلة مغلفة برغبة متأججة
ونفسي تفضلي كده
تجاوزت عن ندائها المستجدي لعقلانيته
شبه المغيبة اضطرت أن تلجأ للجفاء معه لئلا ټندم لاحقا على تراخيها لذا جاء في باقي جملتها قدرا من الټهديد عندما تابعت
أبعد رأسه عنها ونظر إليها بغموض مريب دون أن ينطق بكلمة ومع ذلك تمسكت بصمودها وإن كان مهددا للخروج من جنة دنياه الثرية بكل ما تشتهيه النفس دفعت للخلف قائلة بصوت جامد
تصبح على خير
تراجع مسافة متر ملوحا لها بيده قبل أن يرد بهدوء غريب
وإنتي من أهله!
لم تنظر تجاهه وأسرعت بفتح الباب لتدلف إلى الداخل وهي بالكاد تحاول السيطرة على رعشة أطرافها أوصدته مستندة بظهرها عليه محاولة استعادة انضباط حالها المتخبط حذرت نفسها بصوت العقل
اجمدي كده يا تهاني لو خدك للسكة دي هتبقي خسړتي كل حاجة قبل ما تملكيها من الأساس!
سحبت نفسا عميقا لتعيد الهدوء إلى أوصالها ثم تابعت مع نفسها وكأنها تعطيها تحذيرا شديد اللهجة
لم يطرأ على بالها العشق أو حتى اشتهاء متعته الشقية إلا حينما أصبحت تحت وطأة ضغوطات راحت تكرر على مسامعها نفس العبارات المحذرة لتردع ما يناوش مشاعرها كأنثى من تقارب وتجاذب قبل أن يتفاقم الأمر وتعجز عن كبح جموحه ففي الحب تعمى الأبصار عن رؤية العيوب كما يحجب المنطق ويسلب من أذكى العقول
قالت ديبرا بهذه العبارة المندهشة وهي تستقبل في غرفتها بالفندق ضيفها
يسألها ليتأكد ألا تفتقدين تقاربنا
أطلقت ضحكة ماجنة وتقلبت على
جانبها لتبدو أكثر إغواء وهي تخبره بعد لحظة من الصمت
ممم حسنا أنا أعطيك الأفضلية عن ممدوح في إيقاظ مشاعر الحب بي
على حين غرة تحول لقطعة من الجليد بعد إفسادها للحظة التجلي هذه بعقد تلك المقارنة السقيمة بينهما لتذكره بأن رفيقه كان ولا يزال يناطحه فيما يجيد فعله مع النساء بتفرد ومجون وكأنه مفسد متعته الاستثنائية التي ينتشي بها فقد فجأة روح الشغف والاشتياق لتمضية لحظات عاصفة چنونية وغير منضبطة بشروط معها نظرت له ديبرا باندهاش وهي تتساءل بوجه يضم علامات الحيرة
لماذا توقفت
حل وثاق يديها قائلا بجفاء مريب قبل أن يستقيم واقفا
لم أعد أريد
ما الذي حدث فيما أخطأت عزيزي مهاب
وقف أمام المرآة يهندم ثيابه التي تبعثرت ثم وضع رابطة عنقه حول ياقة قميصه شعر بها تضمه من الخلف كمحاولة غير مؤثرة منها لإعادته لوتيرة اللهفة مجددا مرغت وجهها في ظهره متسائلة في صوت ناعم
ألست أنا من تهوى الجموح معها
أطبق على شفتيه رافضا قول أي شيء نبذها بنظرات قاسېة جعلتها تستهجن هذه المعاملة الجافة منه لوح لها بيده كنوع من التوديع لها فصاحت من ورائه تناديه بضيق
مهاب انتظر
يتبع الفصل السابع
الفصل السابع
القناع
الصباح كان مختلفا بالنسبة لها رغم ما امتلأ به ليلها من تفكير مجهد أفرطت على غير عادتها في تأنقها وارتدت زيا رسميا من قطعتين بدا أشبه بما ترتديه مضيفات الطيران من سترة وتنورة باللون البترولي كانت ياقة السترة تلامس منبت
رقبتها فأخفت عنقها البارز بالإيشارب المزركش الذي تلقته كهدية بالأمس القريب تأكدت من جعل العقدة عند جانب عنقها الأيمن ثم مسدت بيدها على جانبي التنورة لتفرد قماشها فيصل إلى ركبتيها اعتدلت بعدئذ واقفة ومشطت شعرها قبل أن تعقصه في كعكة مشدودة مرة أخرى ألقت نظرة متأملة لهيئتها النهائية في تسريحة المرآة لتمسك بأحمر الشفاه وتضيف مسحة رقيقة على ثغرها لم تنس كذلك إفراطها في نثر العطر الأنثوي على كامل ثيابها لتتحرك بعدها تجاه الفراش جلست على طرفه وانحنت واضعة الحذاء الجديد في قدميها أغمضت عينيها للحظة لتتنعم بإحساس الراحة وهو يغلف كيانها
ابتسمت في رضا عن حالها ثم نهضت ساحبة معها المعطف الأسود لم تقم بارتدائه على الفور بل طرحته على ذراعها لتتأكد أولا من رؤية مهاب لها في هذا المظهر الأنيق قبل أن تتوارى خلف الداكن من الثياب بلغت المصعد وهبطت به للاستقبال عندئذ تعمدت التبختر في مشيتها لكنها في نفس الآن رفعت رأسها للأعلى في إباء وزهو أبقت على ملامحها هادئة حينما أبصرته ينهض من على الأريكة للترحيب بها رغم الاضطراب الذي عصف بوجدانه دفعة واحدة بالكاد ضبطت حالها وتشبثت بجمودها الزائف لتبدي انزعاجا مصطنعا ومنتقدا لسلوكه المتجاوز معها بالأمس وقفت قبالته وابتسمت ابتسامة صغيرة متكلفة وهو يستطرد
صباح الخير دكتورة تهاني
كما عهدته وجدته يرتدي حلته الرسمية ذات اللون الرمادي ومن فوقها هذا المعطف الأسود الثقيل هزت رأسها بإيماءة صغيرة وردت في إيجاز
صباح النور
باقتضابها المتعمد في الحديث أرادت إشعاره بالذنب وبإثبات اختلافها عن الأخريات اللاتي قد يبدين ردة فعل مناقضة لها أو حتى متساهلة لعلها تنجح في التأثير عليه بشكل غير مباشر حين يجدها تعامله بجفاء ورسمية فلا يظن أن