رحلة الأثام بقلم منال سالم
خلال مدة بعاده أنه هجرها بعدما نجح مهاب في التأثير عليه وجعله يفارقها جبرا هرولت تهاني بين الأروقة في خطوات أقرب للركض لا تتناسب مع انتفاخ بطنها وآلام الحمل المسيطرة عليها اتجهت في الحال إلى مكتبه نادته قبل أن تفتح الباب وټقتحم غرفته دون استئذان
ممدوح!
في تعابير شبه ذاهلة حملق ناحيتها زوجها وكأنه لا يستوعب ما يراه شلت المفاجأة تفكيره وتخشب في موضعه بلا أدنى ردة فعل ارتمت دون مقدمات في أحضانه منحته ضمة عبرت عن شوقها واشتياقها اختنق صوتها وهي تكلمه في صوت مهموس
ظلت باقية في أحضانه وصوتها شبه الباكي يردد
أنا مش مصدقة إنك موجود هنا
لم يبد بمثل شغفها وتلهفها كان فاترا في لقائه
بها لم تشعر بذراعيه يطوقاها بل كان جامدا كالصخر مصډوما في حالة من الدهشة والتعجب تراجعت عنه لتنظر إليه ملء عينيها ويداها تنخفضان لتمسك براحتيه بكت دموع الفرحة وهي تخاطبه بأنفاس منفعلة
وضعت يديه على بطنها المتكور وهي تسأله في ترقب متحمس
إيه رأيك في المفاجأة دي
كان لا يزال على دهشته المصډومة حين سألها
إنتي حامل
ضحكت لسؤاله الساذج وكأنه لا يرى حجم بطنها المنتفخ وصححت له
قول قربت أولد
سألها في صوت شبه جاد ويداه تتحسسان بطنها في حذر
ليه ما عرفتنيش
أجابته بعد تنهيدة عميقة
صمت للحظات قبل أن يعقب بشيء من الغموض
حاجات كتير كده هتتغير!
لم تكترث بالمغزى وراء عبارته هذه بل ولم تهتم على الإطلاق بما قرر فعله أثناء أشهر غيابه المهم لديها الآن أنها استعادته وأصبح معها من جديد
بناء على ميعاد مسبق ومرتب له التقى بها في غرفة مكتبه التي بدت أصغر من تلك التي يشغلها شقيقه الأكبر في المقر الرئيسي لشركات الجندي ومع ذلك لم يكن ممانعا من هذه المظاهر الفارغة فحينما تأتي اللحظة المناسبة سيقوم بتغيير الأوضاع وإعادة الأمور لنصابها الصحيح انتظر مهاب ذهاب سكرتيرته الخاصة بعدما وضعت فنجاني القهوة الساخنة أمامه وكذلك أمام ضيفته ليصغي إليها مجددا في انتباه كامل وهذه البسمة العذبة تحتل شفتيه
داعبت ناريمان خصلة شعرها المتطايرة على جبينها وطرحتها للخلف قبل أن تستأنف استرسالها بنبرتها المرحة
بس إنت فيك حاجة غريبة غامضة مش مفهومة هي اللي دايما بتشدني ليك
طالعها بهذه النظرة المزهوة السعيدة بقرب تحقيق واحد من أكبر انتصاراته فبعد أشهر من التخطيط والترتيب وعدم التعجل استطاع بمهاراته إيقاع هذه الطريدة الجديدة ذات الطباع المستعصية وجرها إلى حبائل وهم عشقه بهدوء الصياد المحنك علق عليها مقتضبا وفي جدية مشوبة بالاحترام
ارتشفت القليل من قهوتها وأضافت في تحمس وهي تعيد وضع فنجانها في موضعه
صحيح في دمج جديد هيحصل ما بين فرع شركتنا وشركتكم
حرك رأسه معقبا
سامي بلغني بده
سألته في فضول ونظرة حيرى تطل من عينيها إليه
إنت ليه مش ماسك معاه الإدارة أو زي ما بيقولوا صلاحياتك تعتبر أقل منه!
جاء رده مثل تعابيره هادئا
أبدت اهتمامها بما قاله فسألته بلطافة لائقة على تدللها
زي إيه
كالعادة حينما يحب استطالة الحديث مع إحداهن وإظهار مدى تفرده عن غيره من الرجال أتى جوابه في صيغة تساؤلية
كدكتور ولا كرجل أعمال
مطت فمها قليلا ثم هزت كتفيها هاتفة
زي ما تحب
رفع يده ليمررها في خصلات شعره ثم أخبرها بما صدمها تماما
بالمناسبة أنا مسافر تاني واحتمال أغيب فترة
لاحظ بعينيه الثاقبتين تبدل
تعبيراتها المرحة إلى قليل من الضيق رغم محاولتها
لإخفاء ذلك لم تتوقع ناريمان مثل ذلك الرد ابتلعت غصة في حنقها وسألته كنوع من المزاح لتغطي على شعور الانزعاج الذي تسلل إليها
ناوي تتجوز ولا إيه
نظر إليها بعمق فتوردت بشرتها من طريقة تطلعه ليقول بعدها في مكر وبكلمات موحية ذات مدلول خطېر
لو نويت مش هيكون غير عشان واحدة وبس ده لو وافقت
تحفزت في جلستها بشكل مربك وسألته وهي ترمش بعينيها
مين دي
في بطء وتمهل أرجع ظهره للخلف وقال في غموض مثير
أفضل أحتفظ بالجواب لنفسي حاليا مش حابب أخسرها وخصوصا بعد ما بقت أقرب واحدة ليا
تلميحاته المفهومة لها جعلتها تزداد اهتماما به حاولت مواراة ما تكنه ناحيته وردت في ابتسامة رقيقة كعادتها مؤخرا معه
قبل ما تسافر عرفني جايز أودعك في المطار
بادلها الابتسام الماكر وأومئ
برأسه مؤكدا لها
حاضر بالعكس أنا حابب ده
استمرت على تبسمها الخجل قبل أن تمسك بفنجان قهوتها لتكمل ارتشاف ما تبقى منه ونظرات مهاب تتفرس فيها كحيوان ضار يتربص بطريدته الشهية
بشكل غير اعتيادي انتفخت عروق وجهه واسودت كامل ملامحه حتى عينيه تحولتا للون القاتم عندما أبلغه رفيقه بعد عودته من سفره بمسألة حمل تهاني أحس مهاب بالغباء لكونها نجحت في إخفاء هذا الأمر الجلل عنه تماما فلم يشك للحظة بها ولم يشعر بأنها تحيك مکيدة من خلفه اشتاط ڠضبا لوضعه في موقف الأحمق الجاهل وصاح معنفا صديقه في غيظ
وإنت إزاي تسمحلها تحمل مش عامل احتياطاتك معاها ولا إيه
استغرب ممدوح من الانفعال الذي أصبح عليه وسأله في برود مناقض له محاولا سبر أغواره الغامضة
وده يضايقك في إيه
صاح في تشنج غريب وكأنه اتخذ الأمر على محمل شخصي
أه طبعا مضايقني لأن المفروض نخلص من تهاني وجودها مالوش لازمة في حياتنا دلوقتي
للغرابة استمتع ممدوح للمرة الأولى برؤيته على هذه الحالة الحانقة بدا وكأنه تفوق عليه بعد صراع ممتد معه استرخى في جلسته ونظر إليه بقدر من العجرفة قبل أن يخبره
بس هي أمرها يهمني
رمقه بهذه النظرة الڼارية وهو يسأله في تحفز
وده من إمتى
ادعى ممدوح تثاؤبه وقال
من زمان بس مكونتش متأكد
استفزته طريقته في التعامل مع جدية الوضع بهذا القدر من اللامبالاة والاستهتار فرغبته في التخلص منها ازدادت بعدما توطدت صلته ب ناريمان وبطبيعة الحال لم يحبذ أبدا أن تكون على أي نوع من الصداقة معها وإلا لكشفت لها الصندوق الأسود لشخصيته الساډية لهذا علق عليه في تعصب أكبر
ودلوقتي بقيت مش قادر تستغنى عنها إنت بتستهبل يا ممدوح
كان الأخير في أوج نشوته أخبره في لؤم مغيظ له
أيوه وخصوصا بعد ما بقت حامل في ابني
ثم تصنع الضحك بعدما رأى هذا التعبير الغاضب متجسدا على وجهه ليزيد من سوء الأمر بإتمام جملته
كده عيالنا هيبقوا إخوات
لم يتحمل سخافاته المستفزة فهدر به في انفعال جلي
ما تسكت بقى يا ممدوح!
لم يكف عن مضايقته واستمر يقول في تسلية
شوف الزمن والحظ مين كان يصدق
حذره مهاب بلهجة غير متساهلة حينما ظل على طريقته المستثيرة للأعصاب
ممدوح!!!
توقف عن إغاظته فقد نال مبتغاه منه نهض من مقعده قائلا بوجه مبتسم على الأخير
واضح إن أعصابك تعبانة أسيبك ترتاح من السفر وأروح أنا لمراتي وابني
وقبل أن يغادر أخبره
لو عايز أبعتلك أوس يومين خده
ثم غمز له بطرف عينه متابعا كلامه العبثي
ما إنت عارف الحوامل بيحبوا الحنية والدلع وأنا سيد من يدلع!
بالكاد ضبط مهاب أعصابه لئلا يستفز أكثر من ذلك وانتظر انصرافه ليطيح بكل ما على سطح مكتبه في عصبية مبررة لم يهدأ داخله وظل متقدا ومستثار في انفعالاته هب واقفا بعدما دفع مقعده للخلف واتجه إلى النافذة محادثا نفسه في توعد
أما إنك ماطلعتيش سهلة يا تهاني بس نهاية الموضوع ده عندي!!!
همس لها بما يشبه التحذير
عايزك تاخدي بالك كويس من نفسك الفترة الجاية
سألته في استغراب وقد تقلصت المسافة بين حاجبيها
ليه بتقول كده يا ممدوح
أجاب بعد زفرة بطيئة ليوحي لها بأنه يستصعب الأمر
مهاب عرف إنك حامل وده مجننه
على الآخر
تصلب جسدها وارتفعت بكتفيها عن مستوى رقودها لتتساءل في ضيق
وهو ماله
أعادها إلى موضع استرخائها الأول ومرر طرف إصبعه على ذراعها صعودا وهبوطا في رقة وخفة قبل أن يجاوبها
غيران يا حبيبتي إن بقى عندك عيلة وحياتك مستقرة مع الشخص اللي بتحبيه
واعترفت له بتقاسيم عابسة
أنا ما بكرهش في حياتي أد مهاب أبشع إنسان في الكون
استغل الفرصة ليقول في مكر قاصدا بذلك تعميق العداء بينهما
ده ممكن يقلب ابنك عليكي
وهي تسأله
معقولة
استحالة ده بقى متعلق بيا أكتر من الأول
نظر إليها قائلا في لهجة اكتسبت طابعا جديا
شوفي يا حبيبتي لو مافيش شوية حزم مننا معاه صدقيني عياره هيفلت
دون تفكير منحته الإذن ليفعل ما يريد بتأكيدها
اللي إنت شايفه صح اعمله إنت ليك كل الصلاحيات معاه!
ثم تقوست شفتاها عن ابتسامة طامعة قائلة
أنا مابقتش بثق في حد غيرك
برقت عيناه بهذا الوهج الشيطاني الخبيث وخاطبها بعدما استدار في خفة لتصبح ممددة أسفل منه مسح على شعرها بنعومة
وأنا هكون أد الثقة دي يا حياتي !!!
يتبع الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
التوأم
منذ أن عاد إلى المنزل وكل شيء تغير أو الأحرى أن يوصف الوضع بأنه بات كما كان من قبل حتى الوقت الذي كان يقضيه بصحبة والدته تقلص للغاية وأصبح لبضعة دقائق تكاد تعد على أصابع اليد لتشرع بعدها في الالتصاق بزوجها وكأنها ظله تخشى مفارقته فيهجرها مجددا تحول إلى كتلة مهملة وغير مرئي انزوى أوس في غرفته مشحونا بغضبه الداخلي ومحاولا تفريغ هذه الشحنات الحانقة في ممارسة لعبة الرماية بالأسهم في كل مرة يخطئ في إصابة الهدف كان يجبر نفسه على المران أكثر لإتقانها
في خضم تركيزه اقتحم ممدوح غرفته لافتعال المشاكل معه كعهده مؤخرا من أجل الاستمتاع بتقريعه وتوبيخه وكأنه ينفث عن طاقته الاڼتقامية به هدر به عاليا وهو يقف مستندا بذراعه على الإطار الباب الخشبي
مش بنادي عليك
لم ينظر أوس تجاهه وعامله بتكبر حين خاطبه
ماسمعتش
رد عليه ممدوح في تحفز قاصدا تصيد الأخطاء له
ولا قاصد تطنشني
تجاهله الصغير متابعا ما يقوم به فألقى بالسهم تجاه اللوح الخشبي وأصاب المنتصف فابتسم في انتشاء لنجاحه في التسديد اشتاط ممدوح ڠضبا مما اعتبرها عجرفته المستفزة واڼفجر صائحا فيه بعدما اندفع تجاهه ليمسك به من تلابيبه
شوف يا ابن مهاب إنت هنا موجود بأمر مني ولو حبيت أزيحك مش هتاخد في إيدي تكة
دفعه الصغير بعيدا عنه وهدده علنا بتحد
وأنا لو قولت لبابا عنك هتزعل
ازداد ڠضبا من جملته تلك وهدر به
هي حصلت بتهددني بأبوك
ثم خفض من يده لينتزع حزام بنطاله الجلدي قاصدا تقريعه به ما إن جذبه حتى ثنى طرفيه معا ليبدو كالسوط ثم رفعه وفرقع الهواء به مكملا تهديده بابتسامة خبيثة
إنت فعلا محتاج تتربى
قبل أن يدنو منه صوب أوس بالسهم تجاهه فأصابه في معصمه فانفلت الحزام من يده وصړخ ممدوح من الألم الشديد ليلعنه بعدها في غيظ
يا ابن ال
على إثر صرخته جاءت تهاني ووزعت نظراتها القلقة بين الاثنين وهي تتساءل بتوتر متحير
في إيه اللي بيحصل هنا
وقبل أن يبادر أوس بالتفسير ادعى عليه زوجها كڈبا
شايفة ابنك بكلمه بالعقل بيعورني بالزفت اللي معاه
اطلعوا برا
تفاجأت تهاني من سلوكه غير اللائق وڼهرته في نظرة صارمة
أوس! إيه الأسلوب ده
رد عليها