الأحد 24 نوفمبر 2024

رحلة الأثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 20 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز

من زار وخف 
جاء ردها على نفس اللهجة المطيعة
ماشي 
تأهبت فردوس لتتحرك بعدما حملت كل شيء لكن أمها استوقفتها آمرة إياها
وريني نفسك 
أنزلت الحقيبة القماشية من يدها والتفتت تحملق فيها بوجه باسم وهي تسألها
حلو كده يامه
بعد لحظة من الصمت المدقق أخبرتها بملامح جادة
خفي اللي على خدك ده شوية 
اعترضت بشيء من الإلحاح
ما حلو يامه خليه عليا 
حذرتها بغير تساهل
عاوزة حماتك تقول عنك مصدقتي جوزك يسافر واتسابتي
قصف قلبها توجسا مما فاهت به وقالت بلا جدال
معاكي حق 
كده أحسن
أجابتها في حبور
أيوه ربنا يصلح حالك ويراضيكي 
مرة ثانية انحنت لتحمل الحقيبة القماشية في يد وكيس الحلاوة السوداء في اليد الأخرى وسارت نحو الباب فلحقت بها والدتها لتعاونها على فتحه وهي لا تزال توصيها
امشي على مهلك وما تتأخريش 
قالت مبتسمة في سعادة
حاضر يامه 
ظلت تتابعها بعينيها وهي تهبط درجات السلم ودعائها لها يصدح
ربنا يسلم طريقك 
خبت نبرة عقيلة إلى حد كبير وهي تنسحب عائدة إلى بيتها
ويهديلك العاصي 
قصدت بجملتها الأخيرة حماة ابنتها المتسلطة فالأخيرة لا تكف عن مضايقتها بمعاملتها المتجافية رغم أن فردوس لم تبد أي سوء لها ومع ذلك
أثرت ألا تثير المتاعب من لا شيء واكتفت بتجنب المواجهة معها قدر المستطاع 
رقص قلبها فرحا وهي تلج إلى مدخل العمارة ذات الأربعة طوابق حيث تقطن بها حماتها صعدت بتمهل حريص على درجات السلم إلى أن بلغت الطابق الأخير تحمست للغاية لمقابلتها اعتقدت أنها ستفرح برؤيتها وتستقبلها بما يليق من ترحاب وحرارة لكن ما حدث كان على عكس ما توهمته بدت فاترة باردة متعالية ومنزعجة من وجودها نظرت لها شزرا وأشارت لها لتدخل بعدما أمعنت النظر فيما أحضرت معها أولتها ظهرها قائلة بسحنة مقلوبة
مكانش لازما تيجي شايلة ومحملة البيت مليان ومعدنيش حاجة ناقصة 
شعرت بالحرج الشديد من أسلوبها اللاذع ومع ذلك ردت بأدب
ده من بعد خيرك يا حماتي 
حينما استقرت في موضعها فردت ذراعها لتشير نحو الجانب وهي تأمرها
حطيهم جوا في المطبخ 
ظلت محافظة على نقاء بسمتها وهي ترد صاغرة
عينيا 
عندما ولجت إلى داخل المطبخ تفاجأت من كم الأطباق المرصوصة بالحوض وكذلك الأواني غير النظيفة المتكومة بجوار الموقد ففكرت في إبهارها ونيل استحسانها بتقديم العون وتنظيف كل شيء لم تدخر فردوس وسعها وعكفت في التو على إعادة المطبخ لما كان عليه من نظام ونظافة فشمرت عن ساعديها والتقطت سلك المواعين الصدئ لتستخدمه في دعك الأواني المعدنية قبل أن تغسل الأطباق والصحون بإسفنجة شبه بالية متروكة بإهمال فوق الصنبور استغرقها ذلك حوالي الربع ساعة فخرجت بعد ذلك منه وهي تجفف يديها في جانبي ثوبها لتخبرها بصوت شبه لاهث
أنا روقتلك كل حاجة 
هزت رأسها دون أن تنطق بكلمة شكر وأمرتها
طب اقعدي هنا عقبال ما أنشر الغسيل 
ثم وضعت يدها خلف ظهرها متأوهة في ألم
ياني يا ضهري 
في التو رفضت نهوضها وصاحت في تصميم
لأ عنك يا حماتي ارتاحي إنتي 
أسرعت نحو الشرفة حيث تركت حماتها كومة الغسيل الرطبة في طبق بلاستيكي عريض فقامت بالتقاط كل قطعة على حدا ونشرتها على الحبل انهمكت كليا في أداء كل الأعمال المنزلية المنقوصة ملقية على عاتقها بمودة منها مساعدتها فيما لم ينجز على أمل أن تحظى في الأخير على كلمة شكر أو حتى معاملة طيبة جزاء
كله بقى تمام والصالة روقتها 
منحتها والدته نظرة طويلة ناقمة ثم أمرتها وهي تشير برأسها
هاتي السبرتاية واعمليلي قهوة مظبوطة 
أحست بالإحباط لعدم تلقيها التقدير اللازم ورغم ذلك حافظت على ابتسامتها الهادئة وهي ترد في طاعة
حاضر 
جلست عند قدميها ومعها أدوات صنع القهوة أعدت لها فنجانها كما طلبت فارتشفته على مهل وهي تسألها في فظاظة وهي ترمقها من علياها بهذه النظرة القاسېة 
ما شيعتيش خبر ليه إنك جاية
مجددا أحست بخيبة الأمل الممزوجة بالحرج تجتاحها قاومت شعورها بالخذلان وأجابتها بتردد
أنا لاقيت نفسي فاضية فقولت أجي أونسك 
تفاجأت بها تهاجمها لفظيا كأنما أجرمت في حقها
وحد قالك إني مقطوعة لا سمح الله!
اتقاء لغضبتها الوشيكة اعتذرت منها دون أن تكون بالفعل مخطئة
مش قصدي بس الدنيا ما بقلهاش طعم من بعد ما سي بدري سافر 
ردت عليها بتحفز وهي تسدد لها لكزة قاسېة في جانب كتفها
حسه في الدنيا ياختي ربنا يحفظلي كل عيالي 
زاد إحساسها بالحرج وهتفت في صوت خاڤت ونظرة کسيرة
يا رب 
فقدت فردوس الرغبة في

مشاركتها أي نوع من الحديث خشيت من إثارة ڠضبها بلا سبب فلزمت الصمت وهي تستشعر موجات الحزن المطعمة بالجفاء تموج في داخلها تنبهت لها عندما خاطبتها في حدية بعد برهة
بقولك إيه أنا رايحة البلد عن قرايبي هفضل هناك فترة فماتجيش تاني مش هتلاقي حد في البيت 
في تلقائية بحتة سألتها مستفهمة
طب هترجعي إمتى
صاحت بها بصوت حانق ومنفعل
هو تحقيق!
انكمشت على نفسها رهبة منها وهتفت مبررة
لأ أنا بس حابة أطل عليكي كل وقت وتاني 
لوحت لها بيدها عندما علقت بعبوس
اطمني مش محتاجالك 
ما إن أنهت فنجان قهوتها حتى هتفت فيها بما يشبه الطرد
يالا على بيتك أنا دماغي تقيلة وعاوزة أريح حبة 
اڼصدمت بتصرفها المهين لها فتأثرت عيناها ولمعت فيهما العبرات قامت ناهضة وهي ترد في خجل شديد
ماشي يا حماتي 
بالكاد لملمت شتات نفسها المتبعثرة وهي تحاول بصعوبة ألا تبكي لتتابع
فوتك بعافية 
لم تضف شيئا ولم تودعها حماتها فبلغت عتبة الباب وانحنت لتنتعل حذائها همت بفتحه لكنها وجدت عوض يسبقها أطرق الأخير رأسه
حرجا لرؤيتها أمامه ثم قام بتحيتها في تهذيب
السلام عليكم 
بلعت ريقها وقالت بصوت مال للحزن
وعليكم السلام 
استشعر الضيق في نبرتها فقال محاولا تخفيف ما ظن أنها قد تعرضت له في غيابه وهو ينظر تجاه والدته الملازمة دوما لموضع جلوسها
يا أهلا وسهلا بالناس الغاليين اتفضلي 
علقت بصوت مرتعش دون أن تنظر ناحيته
لأ أنا كنت نازلة 
أصر عليها محتجا بجدية رغم هدوء نبرته
مايصحش تمشي لوحدك استني أوصلك 
رفضت مجيئه وقالت وهي تتجه للخارج
كتر خيرك المسافة مش بعيدة 
استوقفها بقوله المعاند
ده يبقى عيبة في حقنا 
أشار لها لتنظره بالخارج واستكمل كلامه
استنيني لحظة أعرف الحاجة جوا 
لم تجد بدا من الرفض أمام تصميمه فهتفت في استسلام يائس
طيب 
أسرع عوض متجها إلى والدته ليخبرها باهتمام
هاروح يا أمي أوصل مرات أخويا لبيتها 
اعترضت عليه بوقاحة وهذه النظرة الحاقدة تطل من عينيها
هي ناقصة رجل ما تسيبها تغور لواحدها 
عاتبها بقوله اللين
لا حول ولا قوة إلا بالله دي ضيفة في بيتنا وإكرام الضيف واجب 
يا خويا بلا قرف 
سدد لها نظرة أخرى مليئة باللوم لكنه لم ينطق بشيء بل اتجه عائدا إلى فردوس التي تنتظره بالخارج وهو يفكر مليا في كيفية إرضائها دون أن يشعرها بالحرج 
حين أخبرتها جارتها إجلال بورود اتصال هاتي من ابنتها المقيمة بالخارج هرولت عقيلة مسرعة إلى محل البقال لتتمكن من الحديث إليها في التو مكتفية بوضع الحجاب القماشي على رأسها دون أن تفكر للحظة في تضيع الوقت في تبديل قميصها المنزلي الفضفاض تأبطت ذراعها كمحاولة منها للاتكاء عليها خلال سيرها المتعجل وهي تهتف بصوت أقرب للهاث
تسلميلي يا إجلال نتعبلك نهار فرحتنا بيكي 
ردت بودية معتادة منها
تسلميلي يا خالتي 
وصلت كلتاهما إلى محل البقال فالتقطت إجلال السماعة السوداء لتناولها إلى عقيلة وهي توجه سؤالها لصاحبه
الخط لسه مفتوح
أجابها وهو يشير برأسه
أيوه 
بيدها المرتجفة أمسكت عقيلة بالسماعة وضعتها على أذنها وصاحت في شوق جارف
ألوو أيوه يا ضنايا 
ردت تهاني بكلمة واحدة عنت الكثير
ماما 
غلبتها دموعها الأمومية فطفرت من حدقتيها وهي تخبرها بعتاب رقيق
وحشني صوتك يهون عليكي أمك المدة دي كلها متسأليش عليها
جاءت نبرتها شبه مهمومة وهي ترد
ڠصب عني كان عندي شوية
مشاكل 
شهقت عقيلة مصډومة ووضعت يدها على صدرها كأنما تلطم عليه وهي تهتف بجزع
وربنا قلبي كان حاسس 
حاولت تهدئتها بقولها
ماتقلقيش كله تمام دلوقتي 
توسلتها بقلب واجل
ما تسيبك من الهم ده كله يا تهاني وتعالي وسط أهلك 
لحظة من الصمت حلت قبل أن تقطعها قائلة
مش هاينفع أنا ورايا حلم عاوزة أحققه 
كادت عقيلة تعترض عليها لولا أن سمعتها تطلب منها
إنتي ادعيلي 
أخبرتها بوجه اكتسب سمات التعاسة
وربنا بدعيلك ليل نهار 
غيرت تهاني من مسار الحوار فسألتها
وفردوس عاملة إيه اتجوزت خلاص
تنهيدة عميقة طردتها أمها من رئتيها قبل أن تجاوبها
كتبنا كتابها مستنين بس جوزها يبعت ياخدها معاه 
ظهر الاستغراب في صوتها عندما تساءلت
ليه هو راح فين
أجابتها وهي تمسح بيدها دموعها المسالة على وجنتيها
سافر العراق بيدور على باب رزق جديد 
أتى تعقيبها
مهتما
ماشي ابقي سلميلي عليها 
ردت عليها والدتها بصوتها المتلهف
يوصل يا ضنايا إنتي خدي بالك من نفسك وماتغبيش المدة دي كلها عني طمنيني كل شوية عليكي 
بنبرة شبه عاجلة اختتمت معها المكالمة
حاضر لازم أقفل مع السلامة 
انقطع الاتصال فجأة وبقيت السماعة ملتصقة بأذن عقيلة لعدة ثوان ظل لسانها يردد في خفوت والألم يعتصر قلبها
ربنا يهديكي لحالك يا تهاني 
تساءلت إجلال من ورائها في قلق
كله تمام يا خالتي
أعادت الأخيرة السماعة إلى مكانها واستدارت تنظر إليها بعينين حزينتين وهي تخبرها
اه يا حبيبتي 
أحست بشيء من الإعياء يصيب بدنها فطلبت برجاء من إجلال وهي تمد يدها لتستند على مرفقها
رجعيني البيت ينوبك ثواب
في التو عاونتها وهي تقول بمحبة صافية
ده إنتي تؤمري 
رمقتها بنظرة امتنان قبل أن تدعو لها
ما يؤمرش عليكي عدو 
شردت رغما عنها تفكر في حال ابنتها الغائبة عنها وقلبها لا يزال يستشعر وجود ما يؤرقها وإن أنكرت وادعت صلاح أمورها فإحساس الأم لا يخيب أبدا!
كان هناك متسع من الوقت خلال سيرهما إلى منطقتها السكنية ففكر عوض في استغلاله لإبداء الاعتذار المصحوب بالتبرير لزوجة شقيقه خاصة مع علمه بطبيعة والدته الحادة حينما تتصرف بفظاظة وقحة مع الغير وضع دارجته كفاصل ملائم بينهما تنحنح لأكثر من مرة ليجلي أحبال صوته حاول أن يبدو مراعيا حين استطرد متكلما وقاصدا الدخول في لب الموضوع مباشرة
مش
عاوزك تزعلي من أمي هي خلقها ضيق شويتين بس طيبة 
قالت برأس مطأطأ في حزن
ربنا يخليهالكم 
حل الصمت بينهما سريعا فحاول أن يبدده بقوله غير الاحترازي
فيكي الخير إنك جيتي تشوفيها قبل ما تسافر ل بدري 
تأهبت حواسها لجملته العابرة استغرقها الأمر لحظة حتى استوعبت مقصده فرفعت نظرها إليه وسألته مذهولة وكأن أحدهم قد قام پطعنها غدرا في ظهرها
تسافر!!
اندهش لردة فعلها وعلق سائلا
هو إنتي معندكيش خبر ولا إيه
رغم المفاجأة الصاعقة التي هبطت على رأسها إلا أنها جاهدت لتخفي تأثيرها عليها ومع ذلك ردت متلعثمة
لأ آ يعني سي بدري مقاليش 
ضيق عينيه وقال
اعذريه تلاقيه ملقاش فرصة يبعتلك جواب بس هو بيعمل اللي في وسعه عشان يجيبكم 
بلا صوت غمغمت في تهكم مستاء
بأمارة ما جاب أمه الأول!!!
لم تسمع معظم ما خاطبها به كمبررات واهية لشقيقه لكنها انتبهت إلى آخر كلامه وهو يردد
وأنا الحمدلله خلصت كل الورق المطلوب وإنتي أكيد بعدها 
علقت بغير اقتناع
ربنا يسهل 
بلغت موضع بنايتها فتوقفت عن المشي لتطلب منه في رجاء
قوله يا سي عوض يبعتلي جواب ولا يكلمني يطمني عليه أنا برضوه مراته وليا لي حق عليه 
رد عليه متفهما
في دي معاكي حق وهو غلطان أنا هعرفه
19  20  21 

انت في الصفحة 20 من 79 صفحات