الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحلة الأثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 50 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز

في غير تصديق وبتحير مشوب بالخۏف والارتياع
طب تيجي إزاي!!
زادته هما على هم بعدما ملأت رأسه وعبأتها بكلامها المسمۏم عن زوجة شقيقه تلك التي أفسدت الود بين أفراد العائلة وزرعت القطيعة والخصام بين الأرحام فما كان منه إلا أن استجاب بعد وسوسة وإلحاح لخطتها الجهنمية لتخليص شقيقه المسكين ممن اعتبرتها الأفعى الخبيثة هبط بدري من الحافلة التي قطعت مسافة طويلة من بلدته ليصل إلى حيث يقطن شقيقه وحديث والدته يرن في أذنه
هي اللي بوظت حياتنا وجابت لنا النحس والهم 
آنئذ رد عليها متعللا
بس يامه هما اللي استغنوا عن خدماتي وآ 
قاطعته في حدة
وده حصل إزاي ما هو بسببها يا ضنايا!!
نظر لها وهو مقطب الجبين فأكملت على نفس النهج اللئيم
ناس حبايبي قالولي إنها عملتلك عمل تخرب به حياتك وتخسرك كل حاجة 
سألته في خبث لتضمن ملء نفسه بالمزيد من الكراهية والأحقاد تجاهها فتضمن بذلك انصياعه التام لها
قولي إنت شوفت من إمتى الراحة والهنا من بعد معرفتها الشوم!!!
تحديث إليه في غير رأفة
لو سمعت كلامي ونفذته بالحرف صدقني هنرتاح كلنا منها والدنيا هترجع تضحكلك 
قال بتردد
بس ده حرام وآ 
أسكتته بصياحها
وحلال اللي إنت فيه ده لا شغلة ولا مشغلة ولا جواز ولا عيال ولا أي نصيبة خالص!!
لاذ بالصمت مجبرا فاستمرت في إحراقه بنيران كلامها
وأخوك عمره ما هيسمع كلامي هيركبها علينا كلنا ويدلدلها فوق رقابنا بكرة نلاقيها جاية واخدة اللي فاضلنا من ملكنا وتقعد وتتربع!
عكست تعابيره حينها شړا متعاظما فابتسمت وهي تزيد من وسوستها الخبيثة إليه
اعمل بس اللي قولتلك عليه وأنا في ضهرك مش هسيبك
عاد إلى واقعه وهو يسرع في خطواته ليعبر الطريق استجاب لما دعته إليه والدته وشرع في تنفيذ ما أملته عليه كان يعلم جيدا أن شقيقه لا يتواجد نهارا
ببيته وينشغل
بالعمل ويتشاغل بالبحث عن مصادر الرزق لذا كانت هذه فرصته المناسبة للذهاب إلى زوجته والانفراد بها ليقوم بالجزء الأخطر ألا وهو تلويث سمعتها بالأكاذيب الباطلة المتعلقة بالشرف والعرض فيظن أنها قد قامت باستدعائه في الخفاء لتستمر معه في علاقتها غير الشريفة به فينهي زيجتهما للأبد غير مكترث بالضرر الذي قد يلحق بها ويدمرها كليا 
لحظة غادرة لم ينتبه فيها إلى أين يضع قدمه خاصة مع الزحام الشديد فتجمد في موضعه عندما رأى هذه الشاحنة الضخمة تقترب منه استوعب الخطړ وتداركه وحاول تفادي سائقها الأرعن كاد أن ينجح في النجاة ببدنه لولا أن لحقت سيارة أخرى به لم يرها مطلقا وكأن القدر قد أعمى بصره فصډمته في قساوة ودهست ساقيه لينطرح على الأسفلت القاسې وهو ېنزف دما غزيرا وصوت صراخه يجلجل في الأنحاء 
بعد أن وصلت إليه الأخبار السيئة اصطحب زوجته واتجه في الحال إلى المشفى شبه الاستثماري ليتفقد أحوال شقيقه الأصغر اعتصر الألم قلبه وبكاه بكاء مريرا خاصة حينما علم بسوء وضعه الصحي انزوى عوض في ركن من ردهة المشفى وجلس القرفصاء ثم رفع وجهه المهموم للسماء ليتضرع إلى المولى بكل أمل ورجاء أن ينظر إليه بعين الرحمة وينجيه مما هو فيه تأملته فردوس بإشفاق كانت تشاركه حزنه وألمه وربما أكثر من ذلك بقليل فلم تنس أنه أول شخص يخفق فؤادها إليه وإن تسبب في تهشيم روحها وإيذائها نفسيا لكنها كانت على استعداد كامل لمسامحته والعفو عما ارتكبه في حقها من أجل أن تراه بخير 
نهضت واقفة عندما جاءت إحدى الممرضات تسأل عن أقارب المصاپ نادت في الحال على زوجها بصوت مرتفع ومذعور
تعالى يا عوض الدكتور عاوزك 
استعان زوجها بمرفقيه ليستند على الحائط ويقوم واقفا كانت قدماه لا تسعفاه ليسير فتعثر في مشيه المتخبط إلى أن بلغها فسألها بنبرته اللاهثة
أخويا كويس
ردت عليه بحذر ووجهه يظهر تعبيرا رسميا عليه
اطمن احنا عملنا كل حاجة نقدر عليها بس إنت هتعرف أكتر عن حالته من الدكتور هو مستنيك في مكتبه 
اندهشت فردوس لعزوف الطبيب عن مقابلتهما وتساءلت في انزعاج مستنكر
وهو مطلعش يكلمنا بنفسه ليه
هزت كتفيها قائلة بوجوم
معرفش 
سألها عوض بتلهف ملتاع
أخويا فين دلوقتي
التفتت ناظرة إليه وهي تجيبه
في العناية المشددة ومن فضلك متعطلنيش الدكتور منتظرك هناك 
ثم أشارت إلى بقعة بعينها حيث تتواجد بها غرف الأطباء ودلتهما على الطريق لتتركهما بعدئذ وترحل أمسك عوض بذراع زوجته جذبه منها وانطلق إلى حيث أرشدتهما قائلا في قلق متصاعد
بينا يا فردوس نفهم في إيه 
سارت معه وهي تضع قبضتها على صدرها تتحسس نبضاته المتسارعة لتتمتم بصوت خفيض
استر يا رب 
أمام السرير الممدد عليه شقيقه الموصول بأجهزة طبية وقف عوض يتطلع إليه بحسرة وحزن فالطبيب أعلمه بمدى الضرر الجسيم الذي وقع عليه خاصة نصفه السفلي وجعله قاب قوسين أو أدنى من المۏت وإن نجا منه بعد إجراءات عمليات جراحية هامة فسيصبح عاجزا حتى يفنى عمره المؤسف في ذلك الأمر أنه لا يملك من المال ما يساعده على سداد تكلفة هذه الجراحات الضرورية كان فقيرا معدما لا يملك إلا قوت يومه فكيف له أن يؤمن هذا الكم الطائل من الأموال لإنقاذه بكى في أسى وۏجع غير مكترث بمن يبصره على هذه الحالة المفطورة من خلفه وقفت فردوس تتأمل حالة بدري بحزن عميق لم تتوقع أن يحز في نفسها بشدة رؤيته هكذا لا حول له ولا قوة! تركت هي الأخرى العنان لدموعها الصامتة تنساب وأصغت إلى همهمة
زوجها المكلوم وهو يرثي
حاله البائس
يا ريتني أملك حاجة ياخويا وأنا مأخرهاش عنك 
لم تفكر فردوس
مرتين وراحت تخبره من تلقاء نفسها
أنا كنت عاينة حتت دهب صغيرة بيعها يا عوض جايز تفيد بحاجة 
استدار قليلا لينظر إليها وقال في حزن شديد يعبر عن عجزه
يا فردوس المطلوب ألوفات واحنا على باب الله 
ردت عليه في إصرار وهي تربت على كتفه
أهي نواية تسند الزير 
التف كلاهما معا نحو فراش بدري عندما سمعا ندائه الضعيف
ع عوض!
صاحت فردوس في تلهف وهي تدفع زوجها للاقتراب منه
الحق أخوك فاق 
تحرك الأخير ليلتصق بجانب رأسه المستلقي على السرير ورجاه بصوت شبه باك
ماتتعبش نفسك يا بدري أنا جمبك ياخويا 
بينما تكلمت فردوس في سرور حقيقي ظاهر عليها
بركة إنك بخير 
عاد عوض ليقول بامتنان شاكر
ألف حمد وشكر ليك يا رب 
سعل بدري پألم وحاول الكلام فقال بصعوبة وبصوت يكاد يكون مسموعا لكليهما
حقك عليا 
احتضن عوض كف شقيقه بين راحتيه واندهش في توتر وهو يطلب منه
سامحني 
كان الأخير يملك من السمات الحميدة ما جعله يعفو عنه في التو وأفصح عن ذلك علنا بترديده
مسامحك ياخويا المهم عندي إنك ترجع بالسلامة تاني 
مجددا سعل بدري في ألم وحاول أن يخاطبه فخرج صوته متقطعا
أنا أنا 
رجاه شقيقه الأكبر بتوسل
ماتجهدش نفسك بالكلام بالله عليك حاول ترتاح 
رغم ضراوة الآلام التي تفتك به إلا أنه أصر على مخاطبته قائلا
اسمعني بس 
بدا صوته أقرب لنبرة الوداع حينما تابع بعناء
جايز تكون دي آخر مرة!
ردت فردوس باندفاع نزق وكأن قلبها من يتحدث لا لسانها
بعد الشړ عنك إن شاءالله هتقوم بالسلامة 
اتجه بدري بعينين الدامعتين إلى وجه فردوس واستطرد معترفا في ندم
أنا كنت ناوي أوسخ سمعة مراتك عشان تطلقها 
شهقت فردوس مصعوقة بعد الذي سمعته وارتجف بدنها بالكامل في حين تابع بدري بصعوبة واضحة
بس ربنا أراد يرحمها من ظلمي ليها 
وكأن أحدهم قد هوى بمطرقة قاسېة على رأسها فهشمها بلا رحمة استنكرت اعترافه الخطېر بشدة وصاحت بصوت ناهج ومنفعل
إنت بتقول إيه
واصل اعترافاته الأخيرة مرددا
كلام أمي عماني وخلاني أسعى

في الخړاب 
اشتعلت عينا فردوس واحتقن وجهها بحمرة متزايدة مجرد تخيل احتمالية حدوث ڤضيحة كتلك لها كان كافيلا بتحولها تماما لشخصية هجومية عدائية وغير متسامحة لم تصغ إلى بدري وهو يواصل الكلام رغم صعوبة ذلك عليه
وأهوو ربنا انتقم مني ونجدها! 
حينئذ انفلتت أعصابها وخرج من بين صيحة أقرب للصړاخ جعلت من متواجد بعنبر الرعاية المركزة ينتبه لهم
للدرجادي إنتو إزاي كده
نظر لها عوض بحسرة وأسف حاول لملمة الأمر قبل أن يتطور لڤضيحة علنية فاستجدى شفقة زوجته
مش وقته يا فردوس!
ردت بعدائية مبررة
إنت سامع بيقول إيه دي سمعتي وشرفي يا عوض!!
سعلة متحشرجة خرجت من جوف بدري أتبعها قوله النادم
خلاص يا خويا مابقاش في العمر بقية سامحني سامحيني يا مرات أخويا 
قال عبارته تلك وعيناه متعلقتان ب فردوس فما كان منها إلا أن وبخته بحړقة
حرام عليك أنا علمت فيكو إيه عشان تفتروا عليا بالشكل ده!
ردت عليها بصوت واهن
ربنا خلص ذنبك مني 
ارتفع صړاخها الموجوع وهي ترفع كفيها للأعلى كأنما تشكوه لمن خلق السماوات والأرض
حسبي الله ونعم الوكيل 
جاءت إحدى الممرضات إلى العنبر ونهرت فردوس على صياحها المزعج
ماينفعش اللي بتعمليه هنا في عيانين وحالات حرجة!
ثم حاولت دفعها للخارج وهي تطلب منها
اتفضلي لو سمحتي 
تجاهلتها فردوس وظلت تلوم على بدري بحنق أشد
هتروحوا من ربنا فين!
تكلمت الممرضة من جديد بلهجة شبه صارمة موجهة هذه المرة حديثها إلى عوض
يالا يا أستاذ 
كانت آخر كلمة سمعها منه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة
ويلقى ربه
سامحني 
انخلع قلبه لرؤية جسده يسكن
تماما فصاح يناديه بجزع فزع
بدري! أخويا!
الأيام التي سبقت هذه الليلة تحديدا مرت عليها مصحوبة بالتوتر والاضطراب ولما لا تصاب بالأرق والارتباك وهي تعلم تمام العلم أنها على وشك الزواج بآخر غير زوجها وبعلمه الكامل أيعقل ذلك مع شخصية ك مهاب كل شيء مباح! لم تعرف تهاني ما الذي يجب عليها فعله الرفض لم يكن خيارا متاحا والقبول كذلك لم يكن أمرا هينا كانت تتحرق بين نارين ورغم ذلك التخبط المقلق إلا أن رضخت في الأخير عصفت بها انتفاضة قوية وباب غرفة النوم يفتح تخشبت في موضعها متوقعة حدوث الأسوأ لكن هدأت مهاجها الملتاعة مع ظهور الخادمة فقد جاءت لتطلب منها الذهاب إلى غرفة المكتب حيث ينتظرها البقية لإتمام مراسم عقد القران صرفتها بلطف واتجهت إلى المرآة لتتأمل هيئتها نظرة ملية ألقتها على ملامحها ما زال يعتريها الخۏف وحتى نظراتها تعكس ذعرها ظلت تخاطب نفسها وهي تحاول مقاومة هذه الرعشة الخفيفة التي تنتابها
هيحصلي أكتر من كده إيه
تحسست صدغها وكذلك جبينها قبل أن تواصل الكلام في هسهسة خائڤة
إنتي اتكتب عليكي تسمعي كلامه حتى لو حاجة مش مريحاكي 
قاومت ذلك الشعور المناقض الذي يناوشها بشأن استمالتها ل ممدوح فهي تخشى من ردة فعل مهاب إن علم أن ارتباطها به يستهويها نوعا ما تنفست بعمق وقالت في جدية
كله عشان خاطر ابنك 
لكن ما لبث أن اختفت هذه الجدية ليحل الخۏف كبديل عنها نطقت باسمه متسائلة في توجس متعاظم
أوس! طب هقوله إيه 
بهتت تعابيرها وسؤال آخر يلح في رأسه لم تجرؤ على النطق به
يا ترى لما هيكبر هيعرف أمه ضحت بنفسها إزاي عشانه ولا أبوه ممكن يقلب عليا!
لم تذعن لهذا الأفكار السوداوية وقالت في عزم
بلاش أسبق الأحداث خلي الليلة دي تعدي على خير الأول 
الإحساس المزعج الذي لازمه منذ الصباح
49  50  51 

انت في الصفحة 50 من 79 صفحات