الأحد 01 ديسمبر 2024

رحلة الأثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 62 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز

رؤوف رحيم 
وكأن بكلماته البسيطة أعطاه الحل الناجز فطبب بجراحه الغائرة ليرفع بصره بعدها للسماء ولسانه يتضرع في صوت مهموس
يا رب نجيها هي واللي في بطنها يا رب سمعني كل خير عنهم!
جاءته البشرى كنسمة عليلة هبت في نهار شديد الحرارة لتمحو قساوة أشعة الشمس الحاړقة أخمد الخۏف البازغ في نفسه وازداد يقينا في قدرة المولى عزوجل ومقدرته على فعل كل شيء وقتما شاء وأراد استجيب دعائه وأبلغته الممرضة بنجاة زوجته وإنجابها لطفلة صحيحة البدن لا تشكو علة أو مرض في سابقة غريبة تشبه المعجزة في حد ذاتها من فرط سعادته احتضن عوض الشيخ الجليل بحماس متقد وهلل مبتهجا
الله أكبر الحمدلله يا رب 
ربت الأخير على ظهره بضعة مرات وخاطبه
ربنا عطائه غير محدود 
تراجع عنه ليرفع كفيه للأعلى هاتفا في حبور عظيم
اللهم لك الحمد والشكر 
أوصاه الشيخ بصوته الهادئ الوقور
روح اطمن على مراتك وخد بنتك في حضنك 
أذعن له في الحال
هيحصل يا شيخنا 
قبل أن يهم بالمغادرة شدد ليه في نفس النبرة اللينة
وماتنساش تتقي الله في عطيته ليك وتحافظ عليها دي أمانة استودعها عندك 
قال بوجه مبتسم وعينان تضحكان
حاضر يا شيخ عبد الستار كلامك كله على راسي 
دعا له الشيخ بصدق ومحبة
ربنا يراضيك يا عوض ويعوضك خير في ذريتك 
يا رب أمين 
قال جملته هذه وهو يهرول ركضا ليتبع الممرضة التي سبقته نحو الردهة لم تخبت ابتسامته الراضية وظل لسانه يلهج بالشكر الكبير
الحمدلله يا رب الحمدلله على كرمك معايا 
جلجلت ضحكته بعدما حمل
بين ذراعيه قطعة من الجنة رائحتها كالمسک وجمالها يشبه الملائكة اندهشت فردوس من الفرحة العارمة التي أصبح عليها زوجها فقد توقعت بتفكيرها المحدود أن يحزن لإنجابها أنثى لا مثلما يرغب غالبية الرجال في أن يكون مولودهم الأول ذكرا لن تنكر أن ضيقها منه ما زال نابضا لكن سعادته الكبيرة غطت مؤقتا على كل ما تضمره تجاهه تقلبت على جانبها لتتطلع إليه وهو يجاور فراشها متسائلة بصوت شبه واهن معلنة بشكل غير مباشر عن عدم رغبتها في مشاركته ذلك الأمر المصيري
هتسميها إيه
ظهر التردد على محياه وقال وهو يهدهد مولودته الحديثة بترفق حذر
مش عارف أنا لسه مش مصدق إني شايل الملاك ده بين إيديا 
وكأنها عجزت عن كتم حنقها أمام سروره المستفز فسألته في غير احتراز
ما تقول لأمك عشان تيجي تكتم نفسها وتموتها وأهو بدل ما نطلعلها شهادة ميلاد نخليها ۏفاة مرة واحدة 
اختفت البسمة من على قسماته وانقشعت السعادة من عينيه ليسود العبوس في كامل وجهه نظر ناحيتها وسألها في عتاب جلي
ليه الكلام ده يا فردوس
أتى ردها محموما بڠضبها المكبوت
ما هي كانت عايزة تخلص عليا وعليها 
تقلب على شوك كلامها القاسې وجرحت مشاعره وهي لا تزال تضيف
ومش بعيد عملت ده بموافقتك!
حاول امتصاص حنقها بترديده
بلاش سوء الظن أنا أقسمتلك مليون مرة إني مكونتش أعرف 
من جديد تعبأ الجو بالتوتر عندما باحت فردوس بما يستعر في نفسها المكدومة
اللي بينا انكسر من زمان من يوم ما غدرتوا بيا والعيلة اللي جت دي عمرها ما هتصلحه ده لو إنت مفكر كده 
لو كان يقدر عوض على إعادة الزمن للوراء لما تردد للحظة ولسعى لمحو هذه اللحظات المدمرة لحياته يا ليته لم يقم بزيارة أمه! أو يقبل بهديتها! قاوم عبرات متأثرة تلألأت في حدقتيه ليخاطبها في ودية
ربنا واحده قادر يغير اللي في القلوب وينسينا اللي حصل 
أصرت على جفائه بقولها القاسې
لو إنت نسيت فأنا استحالة أنسى 
استعطف مشاعرها
الأمومية البازغة باستجدائها
طب خلينا نفكر في بنتنا دلوقتي 
لاذت بالصمت فاقترب منها مسافة خطوة واحدة وسألها مجددا كأنما يحاول تذكيرها بهبة الله إليهما
يا ترى حابة اسمها يكون إيه
بحرص شديد دفعت جسدها لتتقلب على الجانب الآخر ثم أخبرته في غير مبالاة
مش فارقة سميها زي ما إنت عايز 
استاء من معاملتها الجافية معه ونظر إلى رضيعته

بحزن عاجز فإرضاء أمها كان عسيرا ومحيرا تململها الرقيق بين ذراعيه جعله يتناسى في غمضة عين همومه الثقيلة تجول بها بعيدا عن فراش والدتها الحانقة ليخاطبها في همس متشوق
أيوه لاقيتها 
التمعت عيناه بهذا البريق الحماسي وقد طاف بخلده اسما متفردا ظن أنه لائق بها وتستحقه رفع رضيعته للأعلى قليلا ثم انحنى بفمه المبتسم على جبينها ليطبع قبلة صغيرة عليه قبل أن يهمس عند أذنها في صوت عذب أشبه بالسحر
أنا هسميكي تقى!!!
يتبع الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
لا تعبث مع غريمك
لم تدخر وسعها في إبداء مظاهر فرحتها بمولودة جارتها العزيزة وتولت بنفسها مهمة إعداد مشروب المغات الساخن لتوزعه على الجيران وأهالي المنطقة احتفاء بمرور أسبوع على ميلاد الصغيرة تقى أحضرت إجلال الأوعية الفخارية التي تحتفظ بها والدتها وملأتها بالمزيد لتقوم برصها بحرص في صينية واسعة وأعطتها لأخرى وهي توصيها
شوفي مين ماخدش وقوليلي عاوزة الحتة كلها تفرح 
حملته الجارة في حرص واضح وهي ترد
من عينيا 
نظرت فردوس لرفيقتها بامتنان وقالت بتحرج
والله ما كان ليه لازمة ده كله 
ردت عليها باسمة
ما تقوليش كده يا دوسة إنتي مش متخيلة أنا فرحانة بيها إزاي والله ولا كأنها بنتي 
زمت في شيء من العبوس قبل أن تخبرها
خسارة المصاريف والتكاليف هو إنتي ناقصة!
عاتبتها بنظرتها أولا لتعلق عليها بعدها
والله أزعل منك 
ما لبث أن عادت لابتسامتها اللطيفة وهي تكمل جملتها
ما تشليش هم حاجة وبعدين سبيني على راحتي أنا عاوزة أفرح الناس كلها وزي ما بيقولوا الخير على قدوم الواردين 
مجددا شكرتها فردوس بلا ابتسام وهي تسلط نظرة فاترة إلى رضيعتها
ربنا يخليكي ليا 
السعادة التي شعر بها منذ اللحظة الأولى التي حملها فيها بين ذراعيه كانت لا توصف ولا تقارن بأي فرحة أخرى مرت عليه طوال سنوات عمره كان كمن وهب سعادة أبدية ولج عوض إلى المسجد وباشر عمله وهو في قمة نشاطه وسعادته انهالت عليه المباركات والتهنئات من كل من يعرف ومن لا يعرف التقى بإمام المسجد الشيخ عبد الستار فاستطرد في وقار ممزوج ببسمة هادئة 
مبروك يا عم عوض تتربى في عزك 
احتضنه الأخير في سرور وهو يرد عليه
الله يبارك فيك 
ربت الشيخ على ظهره مرددا بنفس الصوت الهادئ والملامح المبتسمة
جعلها المولى مباركة عليك يا عوض 
عقب عليه مبتهجا
الله يكرمك يا شيخنا 
خفض عوض من ناظريه عندما وجده يمد يده بمظروف أصفر مطوي ناحيته وهو يخبره
اتفضل 
سأله مندهشا والحيرة تسيطر أيضا على نظراته
إيه ده
احتفظ الشيخ بملامحه المسترخية وهو يجيبه
نقوط المولودة 
في قدر من الحرج اعترض عليه رافعا المظروف تجاهه
ليه بس يا شيخنا مالوش لازمة ده كتير وآ 
قاطعه بإصرار وهو يشدد على قبضة يده المضمومة
ده رزق ربنا ليها خده وماتكسفش 
لم يجد بدا من مواصلة رفضه أمام إلحاحه الكريم وقال ممتنا
الله يباركلنا في عمرك يا شيخنا 
أضاف عليه الشيخ بتضرع
ويجعلها نعم السند ليك في الدنيا وسبب دخولك الجنة في الآخرة 
في التو أمن على دعائه
يا رب أمين 
دس عوض المظروف داخل جيبه وتابع أداء عمله كما هو دأبه وهو لا يكف عن الدعاء بالشكر للمولى عز وجل راجيا منه أن يرزقه المقدرة والعون على تربية رضيعته التربية الصحيحة 
في الفترة التي رحل فيها عن المنزل كانت والدته الأقرب إليه عن أي وقت مضى حيث كانت تلازمه ليل نهار وفي كل نشاط يقوم به تشاركه لهوه واستذكاره وفسحته وحتى تناوله للطعام وكأنها تعوض عن شوقها إليه بالانخراط أكثر معه في كل تفصيلة دقيقة تخص حياته ولم يمانع ذلك مطلقا أصبحت هذه الأيام هي الأكثر سعادة بالنسبة له آنئذ شعر بمدى عمق الارتباط الوثيق بينهما بدا وقتها وكأنه استعادها بعدما سلبها غيره كم تمنى أن تدوم هذه اللحظات الثمينة للأبد وألا يوجد من ينزع أو يفسد هذه الصلة القائمة لأي سبب كان! أنهى أوس مسألته الحسابية وأعطاها لوالدته لتراجع طريقة حله ظل يتأملها بعينين حانيتين قبل أن يخبرها في نزق
أنا بحبك أوي يا ماما 
ابتسمت لاعترافه المتكرر دوما على مسامعها انحنت عليه وضمته إلى صدرها في عاطفة أمومية جياشة رمقته بنظرتها
الدافئة قائلة
وأنا أكتر يا أوس 
ثم أشارت إلى بطنها الذي برز بشكل واضح متابعة كلامها
وبكرة لما يبقى عندك أخ أو أخت عايزاك تحبه زيي 
سألها في عبوس طفولي
إنتي هتحبيه أكتر مني
ردت نافية وهي تهز رأسها
لأ إنتو الاتنين زي بعض في نفس الحب والغلاوة 
ثم وضعت بسمة رقيقة على وجهها وهي توصيه
وبعدين إنت هتبقى الكبير ومسئول عنه يعني هيسمع كلامك ويعمل اللي إنت عاوزه 
وكأنه استساغ الأمر فصمت مليا ليستغرق في التفكير قبل أن يتساءل بقدر من الحيرة
والنونو ده هيعيش معايا عند بابا
في التو نفت وقد غامت تعبيراتها
لأ طبعا 
استغرب لهذا التجهم المريب الذي كسا تعبيراتها فحاولت تهاني التبرير له باختلاق كڈبة لحظية
حبيبي أنا مش عايزاك تنسى اللي اتفقنا عليه ماتجيبش سيرة لباباك إني حامل دي مفاجأة خلاص
حرك رأسه إيجابا وهو يرد
طيب 
مسدت على رأسها باسمة قبل أن تواصل مراجعة الجزئية التالية في واجبه الدراسي وداخلها لا يزال يلتاع لغياب من امتلك قلبها وارتحل عنها بلا محاولة واحدة للاتصال أو التواصل معها 
كأفعى تفح وتلدغ سمها الفتاك في دماء أحدهم أخبر بدري والدة عوض بالمستجد من الأحداث بعدما زارها في بيتها ببلدتها القاصية تضرج وجهها بحمرة الڠضب واشتعلت نظراتها وهي لا تكاد تصدق أن تلك المشؤومة نجت بل وأتت بقطعة منها لهذه الحياة ظلت تردد في استنكار جلي
ولدت طب إزاي!
بتلقائية وبفم ملتو أجابها
مشيئة ربنا 
سألته في نوع من الفضول وداخلها ما زال مستعرا
وجابت إيه على كده
بنفس الملامح المتجهمة أخبرها
بت 
علقت في ازدراء حاقد
يا مجاب الغراب لأمه!
تأهب بدري للذهاب فنهض من مقعده مرددا
أنا جيت أعرفك يا خالة بده بدل ما تسمعي من الغريب!
قامت بدورها لتصحبه لباب المنزل هاتفة في وجوم أشد
وهيفيد بإيه لا عمره عوض هيرجع ولا أنا هرضى بيها!
أوصلته إلى عتبته متابعة شكواها الحانقة
كانت وش نحس من يوم ما دخلت حياتنا أنا عارفة ربنا مخدهاش ليه وريحنا منها 
نجح في مسعاه وملأ نفسها بالشرور ناحية زوجة ابنها وكأنه بذلك يقتص لما أصاب كرامته من إهانة وتحقير فرغم مضي السنوات إلا أنه لا يزال يكن في نفسه ذلك الشعور البغيض تجاه كل من له صلة ب تهاني وضع على وجهه قناع الوداعة ليقول في براءة خبيثة
عاوزة حاجة تانية مني يا خالة
ردت عليه بما يشبه التوصية
تعيش ولو عرفت حاجة تانية بلغني يا بدري أو اتصل على الرقم اللي معاك 
ألصق بثغره ابتسامته اللئيمة قبل أن يرد
أكيد يا خالة سلام عليكم 
اقتضب في الرد عليه بعدما انصرف
وعليكم 
أغلقت الباب من ورائه وصفقت بيديها قبل أن ترفعهما للأعلى صائحة فيما يشبه الدعاء
إلهي يجيني خبرك يا فردوس يا بنت عقيلة!
قفز قلبها بين ضلوعها ورقص طربا كما غمرتها موجات متدفقة من السعادة عندما نما إلى مسامعها عودة زوجها من بعد سفر طويل وغياب موجع ظنت
61  62  63 

انت في الصفحة 62 من 79 صفحات